کد مطلب:352930 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:266

فیما یتعلق بالرسول
السؤال الثانی: حول عصمة الرسول؟

یقول الله سبحانه وتعالی فی حق نبیه محمد صلی الله علیه وآله وسلم: والله یعصمك من الناس [المائدة: 67]. وقال أیضا: وما ینطق عن الهوی إن هو إلا وحی یوحی [النجم: 3]. وقال: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7]. وتدل هذه الآیات دلالة واضحة علی عصمته المطلقة فی كل شئ. وتقولون بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم معصوم فقط فی تبلیغ القرآن وما عدا ذلك فهو كسائر البشر یخطئ ویصیب وتستدلون علی خطئه فی عدة مناسبات بأحداث تروونها فی صحاحكم! فإذا كان الأمر كذلك فما هو حجتكم وما هو دلیلكم فی ادعائكم التمسك بكتاب الله وسنة نبیه ما دامت هذه السنة عندكم غیر معصومة ویمكن فیها الخطأ؟ وعلی هذا الأساس فالمتمسك بالكتاب والسنة علی حسب معتقداتكم لا یأمن من الضلالة، وخصوصا إذا عرفنا بأن القرآن كله مفسر ومبین بالسنة النبویة. فما هی حجتكم فی أن تفسیره وتبیانه لم یكن مخالفا لكتاب الله تعالی؟



[ صفحه 40]



قال لی أحدهم معبرا عن هذا الرأی: لقد خالف الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی القرآن فی كثیر من الأحكام حسب ما تقتضیه المصلحة. - قلت متعجبا: أعطنی مثلا واحدا علی مخالفته. - أجاب: یقول القرآن: الزانیة والزانی فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [النور: 2]. بینما حكم الرسول علی الزانی والزانیة بالرجم وهو غیر موجود فی القرآن. - قلت: إنما الرجم علی المحصن إذا زنی، ذكرا كان أم أنثی والجلد علی الأعزب إذا زنی ذكرا كان أم أنثی. - قال: فی القرآن لیس هناك أعزب أو محصن لأن الله لم یخصص بل أطلق لفظ الزانیة والزانی بدون تخصیص. - قلت: إذا علی هذا الأساس فكل حكم مطلق فی القرآن خصصه الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فهو مخالف للقرآن؟ فأنت تقول بأن الرسول خالف القرآن فی أكثر أحكامه؟ - أجاب متحرجا: القرآن وحده معصوم لأن الله تكفل بحفظه أما الرسول فهو بشر یخطئ ویصیب كما قال القرآن فی حقه: قل ما أنا إلا بشر مثلكم! - قلت: فلماذا تصلی الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وقد أطلق القرآن لفظ الصلاة بدون تخصیص لأوقاتها؟ - أجاب: القرآن فیه إن الصلاة كانت علی المؤمنین كتابا موقوتا والرسول هو الذی بین أوقات الصلاة. - قلت: فلماذا تصدقه فی أوقات الصلاة وترد علیه فی حكم رجم الزانی. وحاول جهده أن یقنعنی بفلسفات عقیمة متناقضة لا تقوم علی دلیل



[ صفحه 41]



عقلی ولا منطقی كقوله: بأن الصلاة لا یمكن الشك فیها لأن رسول الله فعلها طیلة حیاته وفی كل یوم خمس مرات، أما الرجم فلا یمكن الاطمئنان إلیه لأنه لم یفعله فی حیاته غیر مرة أو مرتین - وكقوله بأن الرسول لا یخطئ عندما یأمره الله بأمره. أما عندكم یحكم بفكره فهو لیس معصوم، ولذلك كان الصحابة یسألونه فی كل أم، هل هو من عنده أم من عند الله، فإذا قال هو من عند الله امتثلوا بدون نقاش، وإذا قال هو من عندی، عند ذلك یناقشونه ویجادلونه وینصحونه ویتقبل نصائحهم وآراءهم، وقد ینزل القرآن أحیانا موافقا لآراء بعض الصحابة ومخالفا لرأیه كما فی قضیة أسری بدر، وقضایا أخری مشهورة. وحاولت بدوری إقناعه ولكن بدون جدوی - لأن علماء أهل السنة والجماعة مقتنعون بذلك وصحاحهم مشحونة بمثل هذه الروایات التی تخدش فی عصمة الرسول وتجعل منه شخصا أقل مستوی من الرجل الذكی، أو القائد العسكری، أو حتی شیخ الطریقة عند الصوفیة، ولست مبالغا إذ قلت أقل مستوی حتی من الرجل العادی، فإذا ما قرأنا بعض الروایات فی صحاح أهل السنة والجماعة یتبین لنا بوضوح إلی أی مدی وصل التأثیر الأموی فی عقول المسلمین، من عهدهم وبقیت آثاره حتی یوم الناس هذا. وإذا ما بحثنا الغرض أو الهدف من ذلك فسوف نخرج بنتیجة حتمیة ومرة ألا وهی: أن أولئك الذین حكموا المسلمین فی عهد الدولة الأمویة وعلی رأسهم معاویة بن أبی سفیان، لم یعتقدوا یوما من الأیام بأن محمدا ابن عبد الله، هو مبعوث برسالة من عند الله أو هو نبی الله حقا. وأغلب الظن أنهم كانوا یعتقدون بأنه كان ساحرا وقد تغلب علی الناس وشید ملكه علی حساب المستضعفین من الناس وبالخصوص العبید الذین أیدوا دعوته وناصروه. ولیس هذا مجرد ظن فإن بعض الظن إثم ولكن عندما نقرأ فی كتب التاریخ لنتعرف علی شخصیة معاویة وأحواله. وما فعله طیلة حیاته



[ صفحه 42]



خصوصا مدة حكمه فالظن یصبح حقیقة لا مفر منها. فكلنا یعرف من هو معاویة. ومن هو أبوه أبو سفیان ومن هی أمه هند فهو الطلیق ابن الطلیق الذی قضی شبابه فی رحاب أبیه وفی تعبئة الجیوش لمحاربة رسول الله والقضاء علی دعوته بكل جهوده حتی إذا ما فشلت جمیع محاولاته وتغلب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیه وعلی أبیه استسلم للأمر الواقع فی غیر قناعة، ولكن الرسول لكرمه ولعظمة خلقه عفی عنه وسماه الطلیق، وبعد موت صاحب الرسالة حاول أبوه إثارة الفتنة والقضاء علی الإسلام وذلك عندما جاء فی اللیل للإمام علی یحرضه علی الثورة ضد أب بكر وعمر ویمنیه بالمال والرجال ولكن الإمام علی سلام الله علیه عرف قصده فطرده وبقی یعیش حاقدا علی الإسلام والمسلمین طیلة حیاته حتی آلت الخلافة إلی ابن عمه عثمان عند ذلك أظهر ما فی نفسه من كفر ونفاق فقال: تلقفوها تلقف الكرة یا بنی أمیة فوالذی یحلف به أبو سفیان لیس هناك جنة ولا نار [1] وأخرج ابن عساكر فی تاریخه من الجزء السادس فی صفحة 407 عن أنس أن أبا سفیان

دخل علی عثمان بعدما عمی فقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلیة والملك ملك غاصبیة واجعل أوتاد الأرض لبنی أمیة. وأما ابنه معاویة وما أدراك ما معاویة فحدث ولا حرج وما فعله بأمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم طیلة ولایته فی الشام ثم بعد تسلطه علی الخلافة بالقهر والقوة وما ذكره المؤرخون من هتكه للقرآن والسنة وتعدیه كل الحدود التی رسمتها الشریعة والأعمال التی یتنزه القلم عن كتابتها واللسان عن ذكرها لقبحها وفحشها، وقد ضربنا عنها صفحا مراعاة لعواطف إخواننا من أهل السنة والجماعة والذین أشربوا فی قلوبهم حب معاویة والدفاع عنه. ولكن لا یفوتنا أن نذكر هنا نفسیات الرجل وعقیدته فی صاحب



[ صفحه 43]



الرسالة فهی لا تبعد عن عقیدة أبیه وقد رضعها من حلیب أمه آكلة الأكباد والمشهورة بالعهر والفجور [2] كما ورثها عن أبیه شیخ المنافقین الذی ما عرف الإسلام یوما إلی

قلبه سبیلا. وكما عرفنا نفسیة الأب فها هو الابن یعبر بنفس التعبیر ولكن علی طریقته فی الدهاء والنفاق. فقد روی الزبیر بن بكار عن مطوف بن المغیرة بن شعبة الثقفی قال: دخلت مع أبی علی معاویة، فكان أبی یأتیه یتحدث عنده ثم ینصرف إلی فیذكر معاویة وعقله ویعجب مما یری منه. إذ جاء ذات لیلة فأمسك عن العشاء فرأیته مغتما فانتظرته ساعة وظننت أنه لشئ حدث فینا أو فی عملنا فقلت له: ما لی أراك مغتما منذ اللیلة؟ قال: یا بنی إنی جئت من عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك، قال: قلت لمعاویة وقد خلوت به: إنك قد بلغت مناك یا أمیر المؤمنین، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خیرا، فإنك قد كبرت ولو نظرت إلی إخوتك من بنی هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم الیوم شئ تخافه. وإن ذلك مما یبقی لك ذكره وثوابه. فقال لی: هیهات هیهات! أی ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تیم فعدل وفعل ما فعل، فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن یقول قائل: أبو بكر: ثم ملك أخو عدی فاجتهد وشمر عشر سنین، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن یقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم یكن أحد فی مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به، وإن أخا هاشم یصرخ به فی كل یوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله: فأی عمل وأی ذكر یبقی مع



[ صفحه 44]



هذا لا أم لك؟ والله إلا دفنا دفنا [3] .

خسئت وخبت وأخزاك الله یا من أردت دفن ذكر رسول الله بكل جهودك وأنفقت فی سبیل ذلك كل ما تملكه ولكن جهودك كلها باءت بالفشل لأن الله سبحانه لك بالمرصاد وهو القائل لرسوله: ورفعنا لك ذكرك فلست أنت بقادر علی دفن ذكره الذی رفعه رب العزة والجلالة، فكد كیدك واجمع جمعك فأنت غیر قادر علی إطفاء نور الله بفیك، والله متم نوره رغم نفاقك فها قد ملكت الأرض شرقا وغربا وما إن هلكت حتی هلك ذكرك إلا أن یذكرك ذاكر بأفعالك الشنیعة التی أردت بها هدم الإسلام، كما جاء ذلك علی لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم [4] وبقی ذكر محمد بن عبد الله أخی

هاشم عبر القرون والأجیال إلی أن یرث الله الأرض ومن علیها كلما ذكره ذاكر إلا صلی الله علیه وآله وسلم رغم أنفك وأنوف بنی أمیة الذین حاولوا بقیادتك وزعامتك القضاء علیهم وعلی فضائلهم فما زادهم ذلك إلا رفعة وسموا وسوف تلقون الله یوم القیامة غاضبا علیكم لما أحدثتموه فی شریعته فیجزیكم بما تستحقون. وإذا ما أضفنا إلی هؤلاء فرخهم یزید بن معاویة الماجن الفاسق شارب الخمور والمجاهر بالفسق والفجور فسوف نجده هو الآخر یحمل نفس العقیدة التی ورثها عن أبیه معاویة وجده أبی سفیان كما ورث عنهم الخسة والدناءة وشرب الخمر ومعاقرة العاهرات ولعب القمار ولو لم یرث كل هذه الصفات البشعة لما أورثه أبوه معاویة الخلافة وسلط علی رقاب المسلمین وكلهم یعرفوه حق معرفته وفیهم فضلاء الصحابة كالحسین بن علی سید شباب أهل الجنة ولا أشك فی أن معاویة قضی حیاته وأنفق ماله الذی



[ صفحه 45]



اكتسبه من حرام فی سبیل القضاء علی الإسلام والمسلمین الحقیقیین، ولقد رأینا كیف كان یرید دفن ذكر محمد صلی الله علیه وآله وسلم وما قدر علی ذلك فأشعلها حربا علی ابن عمه علی وصی النبی حتی إذا ما قضی علیه ووصل للخلافة بالقهر والغش والنفاق سن سنة سنته المشؤومة وأمر عماله فی كل الأقطار بلعن علی وأهل البیت النبوی علی كل المنابر وفی كل صلاة وهو بذلك یرید سب ولعن رسول الله [5] ولما

أعیته الحیل وأدركه الأجل ولم یصل إلی مأربه انتدب ابنه وولاه علی الأمة لیواصل ذلك المخطط الذی رسمه هو وأبوه أبو سفیان ألا وهو القضاء علی الإسلام وإعادة الأمر إلی الجاهلیة. فاستلم ذلك الماجن الفاسق الخلافة وشمر سواعده للقضاء علی الإسلام حسب رغبة أبیه فبدأ باستباحة مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لجیشه الكافر ففعل فیها ما فعل طیلة ثلاثة أیام وقتل فیها عشرة آلاف من خیرة الصحابة وثنی بعد ذلك بقتل سید شباب أهل الجنة وریحانة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وكل أهل البیت النبوی وهم أقمار الأمة حتی أخذت حرائر أهل البیت سبایا، فإنا لله وإنا إلیه راجعون. ولو أن الله لم یقصف عمره لتمكن ذلك الوغد اللئیم من القضاء علی الإسلام والمسلمین. والذی یهمنا فی هذا البحث هو الكشف عن عقیدته هو الآخر كما كشفنا عن عقیدة أبیه وجده. فقد حدث المؤرخون [6] أنه بعد وقعة الحرة المشؤومة وقتل عشرة آلاف من خیرة

المسلمین سوی النساء والصبیان، وأفتض فیها نحو ألف بكر، وحبلت ألف امرأة فی تلك الأیام من غیر زوج، ثم بایع من بقی من



[ صفحه 46]



الناس علی أنهم عبید لیزید ومن امتنع قتل، ولما بلغ یزید خبر تلك الجرائم والمآسی التی یندی لها الجبین ولم یشهد لها التاریخ مثیلا حتی عند المغول والتتار وحتی عند الإسرائیلیین فرح بذلك وأظهر الشماتة بنبی الإسلام وتمثل بقول ابن الزبعری الذی أنشده بعد موقعة أحد قائلا:

لیت أشیاخی ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا: یا یزید لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا میل بدر فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم

ومن بنی أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم الملك فلا

خبر جاء ولا وحی نزل

فإذا كان الجد أبو سفیان العدو الأول لله ورسوله یقول صراحة: تلقفوها یا بنی أمیة تلقف الكرة فوالذی یحلف به أبو سفیان فما من جنة ولا نار. وإذا كان الأب معاویة العدو الثانی لله رسوله یقول صراحة: (عندما یسمع المؤذن یشهد أن محمدا رسول الله) أی عمل وأی ذكر یبقی مع هذا لا أم لك؟ والله إلا دفنا دفنا. وإذا كان الابن یزید العدو الثالث لله ورسوله یقول صراحة:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحی نزل

وإذا ما نحن عرفنا عقیدة هؤلاء فی الله ورسوله وفی الإسلام وإذا ما نحن عرفنا أعمالهم الشنیعة التی أرادوا بها هدم أركان الإسلام والإساءة إلی نبی الإسلام والتی لم نذكر منها إلا النزر الیسیر روما للاختصار ولو أردنا التوسع لملأنا مجلدا ضخما فی أعمال معاویة وحده التی بقیت علیه عارا وشنارا وفضیحة مدی الدهر ولو تجند لتغطیتها وسترها بعض علماء السوء الذین كان لبنی أمیة علیهم أیادی وعطایا أعمت عیونهم فباعوا آخرتهم بدنیاهم وألبسوا الحق بالباطل وهم یعلمون، وبقی أغلب المسلمین ضحیة



[ صفحه 47]



هذا الدس. والتزویر، ولو علم هؤلاء الضحایا الحقیقة، لما ذكروا أبا سفیان ومعاویة ویزید إلا باللعن والبراءة. ولكن الذی یهمنا فی هذا البحث الوجیز هو التوصل إلی مدی تأثیر هؤلاء وأشیاعهم وأتباعهم الذین حكموا المسلمین طیلة مائة عام ولما یزل فی خطواته الأولی. ولا شك فی أن تأثیر هؤلاء المنافقین كان كبیرا علی المسلمین فغیر عقیدتهم وغیر سلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وحتی عباداتهم وإلا كیف یمكن لنا تفسیر قعود الأمة عن نصرة الحق وخذلان أولیاء الله والوقوف مع أعداء الله ورسوله. وكیف یمكن لنا أن نفسر وصول معاویة الطلیق ابن الطلیق واللعین ابن اللعین إلی الخلافة التی تمثل مرتبة وخلافة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وفی الوقت الذی یموه علینا المؤرخون بأن الناس كانوا یقولون لعمر بن الخطاب لو رأینا فیك إعوجاجا لقومناك بسیوفنا. نراهم یتحدثون عن معاویة وهو یعتلی منصة الخلافة بالقهر والقوة وأول خطبة یقولها فی جمیع الصحابة: إنی ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمر علیكم وها أنا ذا أمیر علیكم فلا یحرك منهم أحد ساكنا ولا یعارضوه بل یجروا فی ركابه حتی یسموا ذلك العام الذی استولی فیه معاویة علی الخلافة بعام الجماعة فی حین أنه كان بحق عام الفرقة. ثم نراهم بعد ذلك یقبلون منه أن یولی علیهم ابنه الفاسق یزید المعروف لدیهم جمیعا فلا یثورون ولا یتحركون إلا ما كان من بعض الصلحاء الذین قتلهم یزید فی وقعة الحرة وأخذ ممن بقی منهم البیعة علی أنهم له عبید. فكیف لنا تفسیر كل ذلك. علی أننا نجد بعد ذلك أنه وصل للخلافة باسم إمارة المؤمنین الفساق من بنی أمیة كالوزغ مروان بن الحكم والولید بن عقبة وغیرهم.



[ صفحه 48]



ووصل الأمر بأمراء المؤمنین أن یستبیحوا مدینة رسول الله ویفعلوا فیها الأفاعیل وتهتك فیها الحرمات، بل ویحرقوا بیت الله الحرام ویقتلوا فی الحرم خیار الصحابة. ووصل الأمر بأمر المؤمنین أن یسفكوا دماء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وذلك بقتلهم ریحانة رسول الله وذریته ویستبیحوا سبی بناته، فلا یحرك أحد من الأمة ساكنا ولا یجد سید شباب أهل الجنة ناصرا. ووصل الأمر بأمراء المؤمنین أن یمزقوا كتاب الله ویقولون له إذا لقیت ربك یوم حشر فقل یا رب مزقنی الولید. كما فعل الولید الأموی. ووصل الأمر بأمراء المؤمنین أن یلعنوا علی المنار علی بن أبی طالب ویأمروا الناس بلعنه فی كل الأقطار وهم لا یقصدون بذلك غیر لعن رسول الله فلا یحرك منهم أحد ساكنا ومن امتنع قتل وصلب ومثل به. ووصل الأمر بأمراء المؤمنین أن یتجاهروا بشرب الخمر والزنا واللهو بالطرب والغناء والرقص و و وحدث ولا حرج! فإذا كان أمر الأمة الإسلامیة قد وصل إلی هذا الحد من الانحطاط فی الأخلاق والذل والاستكانة فلا بد أن هناك عوامل أثرت فی عقیدتها وهذا ما یهمنا فی هذا البحث لأنه یتعلق بموضوع العصمة وشخصیة الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم. وأول ما یلفت انتباهنا هنا هو أن الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان منعوا كتابة حدیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم بل وحتی التحدث به. فهذا أبو بكر یجمع الناس فی خلافته ویقول لهم: إنكم تحدثون عن رسول الله أحادیث تختلفون فیها والناس بعدم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شیئا، فمن سألكم فقولوا: بیننا وبینكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [7] .



[ صفحه 49]



كما أن عمر بن الخطاب هو الآخر منع أن یتحدث الناس بحدیث الرسول. قال قرظة بن كعب: لما سیرنا عمر بن الخطاب إلی العراق مشی معنا وقال أتدرون لما شیعتكم؟ قالوا: تكرمة لنا، قال: ومع ذلك إنكم تأتون أهل قریة لهم دوی بالقرآن كدوی النحل فلا تصدوهم بالأحادیث فتشغلوهم جودوا القرآن وأقلوا الروایة عن رسول الله وأنا شریككم. یقول هذا الراوی: فلم أنقل حدیثا قط بعد كلام عمر، ولما قدم العراق هرع الناس إلیه یسألونه عن الحدیث فقال لهم قرظة: نهانا عن ذلك عمر [8] .

كما أن عبد الرحمن بن عوف قال بأن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق لمنعهم من التحدث بأحادیث رسول الله فی الناس وقال لهم: أقیموا عندی ولا تفارقونی ما عشت، فما فارقوه حتی مات [9] .

كما یذكر الخطیب البغدادی والذهبی فی تذكرة الحفاظ بأن عمر بن الخطاب حبس فی المدینة ثلاثة من الصحابة وهم أبو الدرداء وابن مسعود وأبو مسعود الأنصاری بذنب الإكثار من نقل الحدیث - كما أن عمر أمر الصحابة أن یحضروا ما فی أیدیهم من كتب الحدیث فظنوا أنه یرید أن یقومها علی أمر لا یكون فیه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها كلها فی النار [10] .

ثم أتی بعده عثمان فواصل المشوار وأعلن للناس كافة أنه لا یحل لأحد أن یروی حدیثا لم یسمع به علی عهد أبی بكر ولا عهد عمر [11] .

ثم بعد هؤلاء جاء دور معاویة بن أبی سفیان لما اعتلی منصة الخلافة



[ صفحه 50]



صعد علی المنبر وقال: أیها الناس إیاكم والحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، إلا حدیثا یذكر علی عهد عمر [12] .

فلا بد أن هناك سرا لمنع الأحادیث التی قالها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والتی لا تتماشی وما جرت علیه المقادیر فی ذلك العصر وإلا لماذا یبقی حدیث الرسول ممنوعا طوال هذه المدة الطویلة ولا یسمح بكتابته إلا فی زمن عمر بن عبد العزیز رضی الله عنه. ولنا أن نستنتج طبقا لما سبق من الأبحاث بخصوص النصوص الصریحة فی الخلافة والتی أعلنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی رؤوس الأشهاد بأن أبا بكر وعمر منعا من الراویة والحدیث عن النبی خوفا أن تسری تلك النصوص فی الأقطار أو حتی فی القری المجاورة فتكشف للناس بأن خلافته وخلافة صاحبه لیست شرعیة وإنما هی اغتصاب من صاحبها الشرعی علی بن أبی طالب. وقد تكلمنا فی هذا الموضوع وكشفنا عن هذه الحقیقة فی كتابنا لأكون مع الصادقین فلیراجع لمزید الاطمئنان. والعجیب فی أمر عمر بن الخطاب هو مواقفه المتناقضة بالخصوص فی كل ما یتعلق بأمر الخلافة. ففی حین نجده هو الذی ثبت بیعة أبی بكر وحمل الناس علیها قهرا یحكم علیها بأنها فلتة وقی الله شرها - وفی حین یختار هو ستة للخلافة نراه یقول: لو ولوها الأجلح (یقصد علی بن أبی طالب) لحملهم علی الجادة فما دام یعترف بأن علی هو الشخص الوحید الذی یحمل الناس علی الجادة فلماذا لم یعینه وینتهی الأمر ویكون بذلك قد بذل النصح لأمة محمد. ولكنا نراه بعد ذلك یتناقض فیرجح كفة عبد الرحمن بن عوف ثم یتناقض



[ صفحه 51]



مرة أخری فیقول: لو كان سالم مولی أبی حذیفة حیا لولیته علیكم [13] .

والأعجب من ذلك فی أمر أبی حفص هو منعة الحدیث عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم وحبسه الصحابة فی المدینة ومنعهم من الخروج منها، ونهیه المبعوثین من قبله إلی الأقطار بأن لا یحدثوا الناس عن السنة النبویة، وحرقه للكتب التی كانت بأیدی الصحابة وفیها أحادیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم. ألم یفهم عمر بن الخطاب بأن السنة النبویة هی تبیان للقرآن الكریم؟ أو لم یقرأ قوله سبحانه وتعالی: وأنزلنا إلیك الذكر لتبین للناس ما نزل إلیهم [النحل: 4]. أم أنه فهم من القرآن ما لم یفهمه صاحب الرسالة الذی أنزل علیه القرآن؟ وهذا ما یحاوله بعض المهوسین الذین یقولون بأن القرآن كثیرا ما ینزل موافقا لآراء عمر، ومخالفا لآراء النبی صلی الله علیه وآله وسلم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنهم لا یفقهون. وكنت دائما أتعجب عندما أقرأ فی البخاری رفض عمر قبول روایة عمار بن یاسر بخصوص تعلیم النبی له كیفیة التیمم، كما أتعجب من قول عمار: إن شئت لا أحدث به. مخافة من عمر، فیتبین بوضوح بأن عمر بن الخطاب كان شدیدا علی كل من یروی أحادیث الرسول فیلحقه الأذی. وإذا كان الصحابة من قریش یخافون من الخلیفة فلا یخرجون من المدینة وحتی الذین یخرجون منها یمتنعون عن نقل الأحادیث النبویة، ثم یحرق لهم كتبهم التی جمعوا فیها الأحادیث فلا یتكلم منها أحد، فما قیمة عمار بن یاسر الغریب البعید والبغیض لقریش لوقوفه مع علی بن أبی طالب وحبه إیاه؟



[ صفحه 52]



وإذا ما رجعنا قلیلا بالبحث، وبالضبط یوم الخمیس الذی سبق وفاة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، والذی سماه ابن عباس یوم الرزیة، وذلك عندما أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحاضرین أن یأتوه بالكتف والدواة لیكتب لهم كتابا لن یضلوا بعده أبدا، نری فی ذلك الیوم أن عمر بن الخطاب هو الذی اعترض علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واتهمه بالهجر - أی الهذیان - والعیاذ بالله، وقال: حسبنا كتاب الله یكفینا وقد أخرج هذه الحادثة البخاری ومسلم وابن ماجة والنسائی وأبو داود والإمام أحمد وغیرهم من المؤرخین كثیر. فإذا كان عمر یمنع رسول الله من كتابة أحادیثه وبمحضر كثیر من الصحابة وأهل البیت ویتهمه بالهجر بتلك الجرأة التی لم یعرف التاریخ لها مثیلا، فلیس غریبا ولا عجیبا أن یشمر عن ساعدیه بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لیمنع الناس من نقل أحادیث الرسول بكل جهوده وهو الخلیفة القوی الذی یملك الحول والطول، ولا شك أن له فی الصحابة أنصارا كثیرین من سراة قریش الذین لهم نفوذ فی القبائل والعشائر والذین كانوا یصحبون النبی صلی الله علیه وآله وسلم إما طمعا أو خوفا أو نفاقا، وقد رأینا هؤلاء علی كثرتهم یؤیدون قولة عمر بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یهجر ویشاركونه فی منع النبی صلی الله علیه وآله وسلم من كتابة الكتاب، وأعتقد بأن ذلك كان هو السبب الرئیسی فی سكوت النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن الكتابة لأنه علم بوحی ربه بأن المؤامرة قویة وقد تهدد مسیرة الإسلام بكامله إذا ما كتب ذلك الكتاب. ذلك الكتاب الذی أراد به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تحصین أمته من الدخول فی الضلالة فإذا بالمتآمرین یقلبون الموقف ویصبح ذلك الكتاب (إذا ما كتب) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام. فكیف لا یغیر رسول الله - بأبی هو وأمی - وهو علی تلك الحال من المرض علی فراش الموت رأیه وبوحی من ربه الذی یرن فی أذنیه، ویملأ قلبه حسرة وأسی علی أمته المنكوبة قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم علی



[ صفحه 53]



أعقابكم ولم تنزل هذه الآیة عفویة بل هی نتیجة حتمیة لما علمه الله سبحانه من دسائسهم ومؤامراتهم ومكرهم فهو یعلم خائنة الأعین وما تخفی الصدور - والذی یعزی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن ربه أعلمه عن كل ذلك وسلاه وأجزاه خیر ما یجزی نبی عن أمته ولم یحمله مسؤولیة ارتداد الأمة وانقلابها - بل قال له مسبقا: ویوم یعض الظالم علی یدیه یقول یا لیتنی اتخذت مع الرسول سبیلا، یا ویلتی لیتنی لم أتخذ فلانا خلیلا، لقد أضلنی عن الذكر بعد إذ جاءنی وكان الشیطان للإنسان خذولا، وقال الرسول یا رب إن قومی اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبی عدوا من المجرمین وكفی بربك هادیا ونصیرا [الفرقان: 27]. والذی لا مفر منه فی هذا البحث هو النتیجة المؤلمة التی وصلنا إلیها، وهو أن أبا سفیان ومعاویة ما كانا لیتجرءا علی صاحب الرسالة لولا مواقف عمر السابقة وجرأته علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبحضرته صلی الله علیه وآله وسلم. وخصوصا إذا بحثنا مواقفه طیلة حیاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ومعارضته إیاه فی كثیر من المواقف. والاستنتاج الذی لا بد منه هو أن هناك مؤامرة كبری حیكت للنیل من شخصیة الرسول الأكرم وانتقاصه وتصویره للناس الذین لم یعرفوه بأنه شخص عادی أو أقل من ذلك فقد تأخذه العاطفة ویمیل مع هواه ویزیغ عن الحق كل ذلك لیموهوا علی الناس بأنه لیس معصوما والدلیل أن عمر عارضه عدة مرات والقرآن ینزل بتأیید ابن الخطاب حتی وصل الأمر بأن یهدد الله نبیه صلی الله علیه وآله وسلم فیبكی ویقول: لو أصابنا الله بمصیبة لم ینج منها إلا ابن الخطاب [14] فی قضیة أسری بدر.

أو أن عمر كان یأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأن یحجب نساءه ولم یكن



[ صفحه 54]



النبی صلی الله علیه وآله وسلم یفعل ذلك حتی نزل القرآن بتأیید عمر، وأمر نبیه صلی الله علیه وآله وسلم أن یحجب نساءه [15] أو أن الشیطان لا یخاف من رسول الله

صلی الله علیه وآله وسلم ولكنه یخاف ویهرب من عمر [16] إلی غیر ذلك من الروایات

المخزیة التی تحط من قیمة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وترفع من قیمة الصحابة ولكن عمر ضرب الرقم القیاسی فی هذا الصدد حتی رووا (أخزاهم الله) بأن رسول الله كان یشك فی نبوته وذلك لحدیث یروونه بأنه قال صلی الله علیه وآله وسلم: ما أبطأ عنی جبرئیل إلا ظننت أنه ینزل علی عمر بن الخطاب!!. وأنا أعتقد بأن هذه الأحادیث وأمثالها وضعت فی زمن معاویة بن أبی سفیان لما أعیته الحیلة فی طمس حقائق علی بن أبی طالب فلجأ إلی إطراء أبی بكر وعمر وعثمان واختلاف الفضائل لهم كی یرفعهم فی نظر الناس علی مقام علی ویرمی من ذلك إلی هدفین: الهدف الأول تصغیر شأن ابن أبی طالب (أبو تراب) كما یسمیه هو للتمویه علی الناس واعتبار الخلفاء الثلاثة الذین سبقوه أفضل منه. والهدف الثانی لوضعه الأحادیث هو لكی یتقبل الناس تجاوز أوامر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووصایاه فی أمر الخلافة فی أهل بیته خصوصا الحسنین علیهما السلام اللذین كانا یعاصران معاویة - فإذا كان من الممكن أن یتجاوز الثلاثة أوامر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی علی علیه السلام لم لا یمكن أن یتجاوز معاویة (الرابع) أوامره صلی الله علیه وآله وسلم فی أولاد علی علیه السلام. وقد نجح ابن هند فی مخططه نجاحا كبیرا والدلیل أننا الیوم عندما نتحدث عن علم علی وشجاعته وقرابته وأفضاله علی الإسلام والمسلمین یقف فی وجوهنا من یقول: قال رسول الله لو وزن إیمان أمتی بإیمان أبی



[ صفحه 55]



بكر لرجح إیمان أبی بكر ویقف فی وجوهنا من یقول: عمر الفاروق هو الذی یفرق بین الحق والباطل ویقف فی وجوهنا من یقول: عثمان ذو النورین الذی استحت منه ملائكة الرحمن. والمتتبع لهذه الأبحاث یجد أن عمر بن الخطاب أخذ نصیب الأسد فی باب الفضائل ولیس ذلك من باب الصدفة، كلا ولكن لمواقفه المعارضة والمتعددة تجاه صاحب الرسالة. أحبته قریش. وخصوصا للدور الذی لعبه عمر فی إقصاء أمیر المؤمنین وسید الوصیین علی بن أبی طالب عن الخلافة وإرجاع الأمر إلی قریش تتحكم فیه كیف شاءت ویطمع فیه الطلقاء والملعونین من بنی أمیة، وقریش كلها وعلی رأسهم أبو بكر یعرفون بأن الفضل كله یرجع لعمر فی تسلطهم علی رقاب المسلمین. فعمر هو بطل المعارضة لرسول الله وعمر هو المانع لرسول الله بأن یكتب الخلافة لعلی، وعمر هو الذی هدد الناس وشككهم فی موت نبیهم حتی لا یسبقوه بالبیعة لعلی، وعمر هو بطل السقیفة، وهو الذی ثبت بیعة أبی بكر، وعمر هو الذی هدد المتخلفین فی بیت علی بأن یحرق علیهم الدار بمن فیها إن لم بایعوا أبا بكر، وعمر هو الذی حمل الناس علی بیعة أبی بكر بالقوة والقهر، وعمر هو الذی كان یعین الولاة ویعطی المناصب فی خلافة أبی بكر، بل لسنا مبالغین إذا قلنا بأنه هو الحاكم الفعلی حتی فی خلافة أبی بكر نفسه فقد حكی بعض المؤرخین بأن المؤلفة قلوبهم لما جاؤوا لأبی بكر لأخذ سهمهم الذی فرضه الله لهم جریا علی عادتهم مع سول الله صلی الله علیه وآله وسلم فكتب لهم أبو بكر بذلك فذهبوا إلی عمر لیتسلموا منه فمزق الكتاب وقال: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنی عنكم فإن أسلمتم وإلا فالسیف بیننا وبینكم. فرجعوا إلی أبی بكر، فقالوا له أنت الخلیفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله تعالی وأمضی ما فعله عمر [17] .



[ صفحه 56]



ومرة أخری كتب أبو بكر لصحابیین قطعة من الأرض وأرسلها لعمر لیمضی فیه فتفل فیه عمر ومحاه فشتماه ورجعا لأبی بكر یتذمران فقالا: ما ندری أأنت الخلیفة أم عمر؟! فقال: بل هو، وجاء عمر مغضبا إلی أبی بكر وقال له: لیس من حقك إعطاء الأرض إلی هذین. فقال أبو بكر: لقد قلت لك بأنك أقوی منی علی هذا الأمر ولكنك غلبتنی [18] .

ومن هنا یتبین لنا سر المكانة التی حظی بها عمر بن الخطاب لدی قریش عامة ولدی بنی أمیة خاصة حتی سموه بالعبقری وبالملهم وبالفاروق وبالعدل المطلق إلی أن فضلوه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وقد رأینا عقیدة عمر فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من یوم صلح الحدیبیة إلی یوم الرزیة أضف إلی ذلك أنه منع الصحابة من التبرك بآثار رسول الله صلی الله علیه وسلم فقطع شجرة بیعة الرضوان، كما توسل بالعباس عم النبی لیشعر الناس بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مات وانتهی أمره فلا فائدة حتی فی ذكراه، فلا لوم علی الوهابیة الذین یقولون بهذه المقالات فهی لیست جدیدة كما یتوهم البعض. ومن هنا فتح الباب إلی أعداء الإسلام والمستشرقین لیستخلصوا بأن محمدا رجل عبقری عرف أن قومه وثنیین تربوا علی عبادة الأصنام فأزال الأصنام ولكنه أبدلهم بذلك حجرا أسودا. ونری بعد كل هذا عم هو بطل المعارضة لكتابة الأحادیث النبویة حتی یحبس الصحابة فی المدینة ویمنع آخرین من الحدیث ویحرق كتب الحدیث حرصا منه بأن لا تتفشی السنة النبویة بین الناس. ونفهم أیضا من خلال ذلك لماذا بقی علی حبیس الدار لا یخرج إلا عندما یدعی لحل معضلة عجز عنها الصحابة ولم یشركه عمر فی منصب ولا



[ صفحه 57]



فی ولایة ولا فی مسؤولیة ولا فی بعث، وحرم حتی من میراث فاطمة ولیس عنده ما یطمع الناس فیه ولذلك یذكر المؤرخون بأنه اضطر للبیعة بعد موت الزهراء سلام الله علیها لما رأی تحول وجوه الناس عنه: لك الله یا أبا الحسن فكیف لا یبغضك الناس وقد قتلت أبطالهم وفرقت جموعهم وسفهت أحلامهم، وما تركت لهم فی سوق الفضائل فضیلة ولا فی میدان الحسنات حسنة ومع ذلك فأنت ابن عم المصطفی وأقربهم إلیه وزوج فاطمة سیدة نساء العالمین وأبو السبطین سیدی شباب أهل الجنة وأولهم إسلاما وأكثرهم علما. وعمك حمزة سید الشهداء، وجعفر الطیار ابن أمك وأبیك، وأبو طالب سید البطحاء وكفیل النبی صلی الله علیه وآله وسلم هو أبوك، والأئمة المیامین كلهم من صلبك، سبقت السابقین ونأیت عن اللاحقین فكنت أسد الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم وكنت سیف الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم وكنت أمین الله ورسوله صلی الله علیه وسلم عندما بعثك صلی الله علیه وآله وسلم ببراءة ولم یأتمن علیها غیرك - وكنت أنت الصدیق الأكبر لا یقولها بعدك إلا كذاب وكنت الفاروق الأكبر الذی یسیر الحق فی ركابه فیعرف الحق به من بین ركام الباطل، وكنت العلم الظاهر والمنار الساطع یعرف بحبه إیمان المؤمن وببغضه نفاق المنافق. وكنت الباب لمدینة العلم، من أتاك أتاها، فقد كذب من زعم الدخول من غیرك والوصول بدونك. فمن منهم له سهم كسهمك یا أبا الحسن ومن منهم له فضل كفضلك فإن كان للشرف دلیلا فأنت دلیله وأنت مبتداه ومنتهاه لقد حسدوك علی ما أتاك الله من فضله ولقد أبعدوك لما خصك الله من قربه فسیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون. لقد شط بنا القلم إلی مناجاة أمیر المؤمنین المظلوم حیا ومیتا وله فی أخیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسوة حسنة فهو أیضا مظلوم حیا ومیتا لأنه قضی حیاته صلی الله علیه وآله وسلم مجاهدا ناصحا حریصا علی المؤمنین بهم رؤوف



[ صفحه 58]



رحیم وقابلوه فی آخر لحظة بالكلام القبیح ورموه بالهجر وجابهوه بالعصیان والتمرد فی تأمیره أسامة وهرعوا للسقیفة من أجل الخلافة وتركوه جثة هامدة ولم یشتغلوا حتی بتجهیزه وغسله وتكفینه بأبی هو وأمی، وبعد وفاته عملوا علی انتقاصه فی أعین الناس والحط من قیمته وتجریده من العصمة التی یشهد بها القرآن والوجدان كل ذلك من أجل حكم زائل ودنیا فانیة. وإذا عرفنا من خلال البحث، موقف بعض الصحابة تجاه شخصیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أجل الوصول للخلافة. فإن حكام بنی أمیة علی رأسهم معاویة بن أبی سفیان جاءتهم الخلافة بالوراثة واطمأنوا لها ولم یكن یدور فی خلد أحد منهم بأنها فی یوم من الأیام سوف تخرج منهم، فلماذا استمر بنوا أمیة فی انتقاص شخصیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتزویر الروایات للحط من قیمته. وأعتقد بأن هناك سببین رئیسیین وهما: السبب الأول: إن فی الحط من قیمة رسول الله، هو إرغام أنوف بنی هاشم الذین نالوا عزا وشرفا بین كل القبائل العربیة لوجود النبی منهم وخصوصا إذا عرفنا أن أمیة كان ینافس أخاه هاشما ویحسده ویعمل كل ما فی وسعه للقضاء علیه. زد علی ذلك بأن علیا هو سید بنی هاشم بعد الرسول من غیر منازع وقد عرف الخاص والعام بغض معاویة لعلی والحروب التی شنها ضده لانتزاع الخلافة منه وبعد مقتله أولغ فی سبه ولعنه علی المنابر. فالحط من شخصیة الرسول بالنسبة لمعاویة هو تحطیم شخصیة علی كما أن سب ولعن علی هو فی الحقیقة موجه لرسول الله. السبب الثانی: إن فی الحط من قیمة رسول الله - فیه تبریر لما یقوم به حكام بنی أمیة من أعمال مخزیة وقبائح شنیعة سجلها لهم التاریخ - فإذا كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - كما یصوره بنی أمیة - بمیل مع هواه



[ صفحه 59]



ویحب النساء إلی درجة أنه ینسی واجباته ویمیل إلی إحداهن إلی درجة أنه لا یعدل بینهن حتی یبعثن له یطالبنه بالعدل. فلا لوم بعد ذلك علی البشر العادیین أمثال معاویة ویزید وأضرابهم. وتكمن الخطورة فی السبب الثانی فی أن الأمویین اختلقوا روایات وأحادیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصبحت أحكاما یعمل بها فی الإسلام، والمسلمون یأخذونها مسلمة علی أنها من أقوال وأفعال الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فتصبح عندهم سنة نبویة. وأضرب لذلك بعض الأمثلة من الأحادیث المخزیة التی وضعت للنیل من شخصیة الرسول والحط من قیمته ولا أرید أن أتوسع فی هذا الموضوع وسوف اقتصر فقط علی ما رواه البخاری ومسلم فی صحیحیهما (روایات مخزیة للطعن فی النبی). 1 - أخرج البخاری فی كتاب الغسل فی باب إذا جامع ثم عاد - قال أنس: كان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یدور علی نسائه فی الساعة الواحدة من اللیل والنهار وهن إحدی عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان یطیقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطی قوة ثلاثین. أنظر معی أیها القارئ إلی هذه الروایة المخزیة التی تصور لنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی هذا النهم من الجماع فیجامع إحدی عشرة زوجة فی ساعة واحدة ویجامعهن فی اللیل أو النهار وبهذه السرعة ومن غیر أن یغتسل من الأولی فیجامع الثانیة بماء الأولی وما علیك أیها القارئ إلا أن تتصور وتتخیل كیف یرتمی إنسان علی زوجته كالحیوان بدون مقدمات ولا تهیئة وقد شاهدنا أنه حتی عند الحیوانات تستغرق عملیة الجماع مدة طویلة وتتطلب مقدمات وتهیأ فكیف بهذا الرسول العظیم یفعل مثل هذا؟ قاتلهم الله ولعنهم أنی یؤفكون - ولأن العرب فی ذلك العهد والرجال حتی فی هذا العهد ما زالوا یفتخرون بقوة الجماع ویعتبرون ذلك علامة الرجولة فوضعوا



[ صفحه 60]



هذه القصة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وحاشاه وهو الذی كان یقول: لا ترتموا علی نسائكم كالبهائم واجعلوا بینكم وبینهن رسولا. فبمثل هذه الروایات یتحامل أعداء الإسلام علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ویصفونه بأنه رجل یتهالك علی الجنس والجماع وحب النساء إلی غیر ذلك من التهم. وهل لنا أن نسأل أنس بن مالك راوی هذه القصة، من أخبره بها؟ من أعلمه أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجامع نساءه فی ساعة واحدة وهن إحدی عشرة؟ هل النبی هو الذی حدثه بذلك؟ فهل یلیق بأحدنا أن یحدث الناس علی مجامعته لزوجته؟ أم أن زوجات النبی هن اللاتی حدثنه بذلك؟ فهل یلیق بالمرأة المسلمة أن تحكی للرجال عن جماع زوجها لها؟ أم أن أنس هو الذی تجسس علی النبی وتتبع خلواته مع زوجاته وتفرج علیه من ثقوب الأبواب؟ أستغفر الله من همزات الشیاطین ولعن الله الكذابین. ولا أشك فی أن الحكام الأمویین والعباسیین الذین اشتهروا بكثرة النساء والجواری هم الذین وضعوا مثل هذه القصة لتبریر أعمالهم. 2 - أخرج البخاری فی صحیحه من الجزء الثالث صفحة 132 وكذلك مسلم فی صحیحه من الجزء السابع فی صفحة 136 قالا: قالت عائشة أرسل أزواج النبی صلی الله علیه وآله وسلم فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی رسول الله فاستأذنت علیه وهو مضطجع معی فی مرطی فأذن لها، فقالت: یا رسول الله إن أزواجك أرسلننی إلیك یسألنك العدل فی ابنة أبی قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: أی بنیة ألست تحبین ما أحب فقالت: بلی، قال: فأحبی هذه ثم تمضی الروایة فتقول إلی أن یبعث أزواج النبی مرة ثانیة بزینب بنت جحش زوج النبی ینشدنه العدل فی بنت أبی قحافة فتدخل هی الأخری علی رسول الله وهو مضطجع مع عائشة ولابس مرطها علی الحالة التی



[ صفحه 61]



دخلت علیه فاطمة فتنشد الرسول العدل فی بنت أبی قحافة علی لسان أزواج النبی ثم تقع فی عائشة وتسبها فتنتصر عائشة لنفسها وتقع هی الأخری فی زینب حتی تسكتها فیبتسم عند ذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویقول إنها ابنة أبی بكر. فما عسانی أن أقول فی هذه الروایة المنكرة التی تجعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یمیل مع هواه ولا یعدل بین زوجاته، وهو الذی جاء القرآن علی لسانه: وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أیمانكم. ثم كیف یأذن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لابنته فاطمة سیدة النساء لتدخل علیه وهو علی تلك الحالة مضطجع مع زوجته ولا بس مرطها، فلا یجلس ولا یقوم ویبقی مضطجعا حتی یقول، أی بنیة: ألست تحبین ما أحب. وكذلك عندما تدخل علیه زوجته زینب وتطالبه بالعدل یبتسم ویقول إنها ابنة أبی بكر. أنظر أیها القارئ الكریم إلی هذه المخازی التی یلصقونها برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رمز العدالة والمساواة فی حین أنهم یقولون مات العدل مع عمر بن الخطاب ویصورون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شخصا مستهترا بالقیم الأخلاقیة فلا یعرف الحیاة ولا المروءة - ولهذه الروایة نظائر كثیرة فی صحاح السنة والتی یقصد الرواة من ورائها إبراز فضلیة لصحابی أو لعائشة بالذات لأنها ابنة أبی بكر، فینتقصون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حیث یشعرون أو لا یشعرون - وكما قدمت فی البحث، بأن هذه الروایات موضوعة للنیل من شخصیة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فإلیك الروایة الثالثة وهی شبیهة بهذه. 3 - أخرج مسلم فی صحیحه فی باب فضائل عثمان بن عفان. عن عائشة زوج النبی صلی الله علیه وآله وسلم وعثمان حدثا أن أبا بكر استأذن علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو مضطجع علی فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبی بكر وهو كذلك فقضی إلیه حاجته ثم انصرف ثم استأذن



[ صفحه 62]



عمر فأذن له وهو علی تلك الحال فقضی إلیه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت علیه فجلس وقال لعائشة: أجمعی علیك ثیابك فقضیت إلیه حاجتی ثم انصرفت. فقالت عائشة: یا رسول الله مالی لم أرك فزعت لأبی بكر وعمر رضی الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إن عثمان رجل حیی وإنی خشیت إن أذنت له علی تلك الحال أن لا یبلغ إلی فی حاجته. وهذه الروایة أیضا هی الأخری شبیهة بما أخرجه البخاری ومسلم فی فضل عثمان بن عفان ومفادها بأن رسول الله كان كاشفا علی فخذیه فاستأذن أبو بكر فلم یغطی رسول الله فخذیه وكذلك فعل مع عمر فلما استأذن عثمان غطی رسول الله فخذیه وسوی ثیابه ولما سألته عائشة عن ذلك قال لها: ألا أستحی من رجل تستحی منه الملائكة. قاتل الله بنی أمیة الذین ینتقصون رسول الله لرفع مكانة سیدهم. 4 - أخرج مسلم فی صحیحه فی باب وجوب الغسل بالتقاء الختانین عن عائشة زوج النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن الرجل یجامع أهله ثم یكسل هل علیهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إننی لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل. وأترك لك أیها القارئ أن تعلق بنفسك علی هذه الروایة. فقد بلغ من تدلیل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لزوجته عائشة أن یحدث بجماعها الخاص والعام من الناس وكم لعائشة بنت أبی بكر من أمثال هذه الروایات التی فیها مس من كرامة الرسول والحط من قیمته، فمرة تروی بأنه یضع خده علی خدها لتتفرج علی رقص السودان ومرة یحملها علی كتفه ومرة یتسابق معها فتغلبه وینتظر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم حتی تسمن فیسابقها ویقول هذه بتیك، ومرة یستلقی علی ظهره والنساء یضربن بالدفوف ومزمارة الشیطان فی بیته فینتهرها أبو بكر.



[ صفحه 63]



وكم فی كتب الصحاح أمثال هذه الروایات المخزیة التی لا یقصد منها إلا انتقاص نبی الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم، كالروایات التی تقول بأن الرسول سحر حتی لا یدری ما یفعل وما یقول وحتی یخیل له أنه یأتی نساءه ولا یأتیهن [19] وكالروایات

التی تقول بأنه صلی الله علیه وآله وسلم كان یصبح فی رمضان جنبا [20] وأنه ینام

حتی یغط فی نومه ثم یقوم فیصلی بغیر وضوء [21] .

ویسهو فی صلاته فلا یدری كم ركعة صلی [22] ولا یدری رسول الله صلی الله علیه

وآله وسلم ما هو مصیره یوم القیامة وما یفعل به [23] وأنه یبول قائما والصحابی

یبتعد عنه فینادیه الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لیقترب منه حتی یفرغ من بوله [24] .

نعم لقد بلغ من تدلیل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم زوجته عائشة بنت أبی بكر أنه یحبس نفسه ویحبس المسلمین معه لیبحثوا عن عقد ضاع من عائشة ولیس معهم ماء حتی أن الناس یشتكون من عائشة لأبی بكر فیأتی أبوها یوبخها ویلومها كل ذلك ورسول الله مشغول بالنوم فی حجر زوجته. وإلیك الروایة بالتفصیل! أخرج البخاری فی صحیحه فی باب التیمم ومسلم فی صحیحه فی باب التیمم أیضا عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض أسفاره حتی إذا كنا بالبیداء أو بذات الجیش انقطع عقد لی فأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی التماسه وأقام الناس معه ولیسوا علی ماء ولیس معهم ماء، فأتی الناس إلی أبی بكر فقالوا: ألا تری إلی ما



[ صفحه 64]



صنعت عائشة أقامت برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبالناس معه ولیسوا علی ماء ولیس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله صلی الله علیه واضع رأسه علی فخذی قد نام، فقال: حبست رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والناس ولیسوا علی ماء ولیس معهم ماء. قالت: فعاتبنی أبو بكر وقال ما شاء الله أن یقول وجعل یطعن بیده فی خاصرتی فلا یمنعنی من التحرك إلا مكان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی فخذی فنام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی أصبح علی غیر ماء فأنزل الله آیة التیمم فتیمموا. فقال أسید بن الحضیر وهو أحد النقباء: ما هی بأول بركتكم یا آل أبی بكر. فقالت عائشة: فبعثنا البعیر الذی كنت علیه فوجدنا العقد تحته [25] .

فهل یصدق مؤمن عرف الإسلام بأن رسول الله یتهاون فی أمر الصلاة إلی هذه الدرجة ویحبس المسلمین وهم علی غیر ماء ولیس عندهم ماء كل ذلك من أجل البحث علی عقد زوجته الذی ضاع منها. ثم یترك المسلمین یتحسرون علی الصلاة ویشتكون إلی أبی بكر، وهو یذهب فینام علی فخذ زوجته ثم یستغرق فی نوم لا یشعر معه بدخول أبی بكر وتوبیخه عائشة وطعنها فی خاصرتها، وكیف یجوز لهذا الرسول أن یترك الناس یموجون من أجل الماء واقتراب وقت الصلاة وینام هو فی حجر زوجته. ولا شك بأن هذه الروایة وضعت فی زمن معاویة بن أبی سفیان ولا أساس لها، وإلا كیف نفسر حادثة مثل هذه حضرها كل الصحابة وتغیب عن عمر بن الخطاب فلا یعرفها عندما یسئل عن التیمم كما أخرج ذلك البخاری ومسلم فی صحیحیهما فی باب التیمم. والمهم فی كل هذه الأبحاث هو أن نعرف بأن المؤامرة ضد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كانت مؤامرة خسیسة ودنیئة تعمل علی الانتقاص من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتحط من قیمته إلی درجة أن



[ صفحه 65]



أحدنا الیوم (ورغم كل الفساد الذی عم البر والبحر) لا یرضی لنفسه مثل هذه المواقف والأفعال. فما بالنا بأعظم شخصیة عرفا تاریخ البشریة والذی یشهد له رب العزة والجلالة بأنه علی خلق عظیم. وقد بدأت المؤامرة حسب اعتقادی بعد حجة الوداع وبعد تنصیب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم للإمام علی كخلیفة له یوم غدیر خم وبذلك عرف الطامعون فی الرئاسة أن لیس أمامهم إلا المعارضة والتمرد علی هذا النص كلفهم ذلك ما كلفهم ولو أدی إلی الانقلاب علی الأعقاب. وبذلك یستقیم تفسیر الأحداث التی بدأت بمعارضة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی كل أوامره من كتابة الكتاب إلی تأمیر أسامة إلی عدم الذهاب فی الجیش الذی عبأه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنفسه، وكذلك الأحداث التی أعقبت وفاته صلی الله علیه وآله وسلم من حمل الناس علی البیعة بالقوة وتهدید المتخلفین بالحرق وفیهم علی وفاطمة والحسنین، إلی منع الناس من نقل أحادیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحرق الكتب التی فیها سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحبس الصحابة لئلا یتحدثوا بأحادیث النبی، إلی قتل الصحابة الذین امتنعوا عن أداء الزكاة لأبی بكر لأنه لیس هو الخلیفة الذی بایعوه علی عهد نبیهم، إلی اغتصاب حق فاطمة الزهراء من فدك والإرث وسهم الخمس وتكذیبها فی دعواها، إلی إبعاد الإمام علی علیه السلام عن كل مسؤولیة وتولیة الفساق والمنافقین من بنی أمیة علی رقاب المسلمین إلی منع الصحابة من التبرك بآثار الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ومحاولة محو اسمه من الأذان إلی إباحة مدینته المنورة للجیش الكافر یفعل فیها ما یشاء إلی ضرب البیت الحرام بالمنجنیق وحرقه وقتل الصحابة فی داخله - إلی قتل عترة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وسبهم ولعنهم وحمل الناس علی ذلك - إلی قتل وتشرید من یحب أهل البیت ویتشیع لهم، إلی أن أصبح دین الله لعبا وهزؤا والقرآن یمزق ویعبث به. والمؤامرة ما زالت حتی الیوم وآثارها ومفعولها یسری فی الأمة الإسلامیة وما دام هناك فی المسلمین من یترضی عن معاویة ویزید ویبرر



[ صفحه 66]



أفعالهم بأنها اجتهاد ولهم بها أجر عند الله وما دام هناك من یكتب الكتب والمقالات ضد شیعة أهل البیت ویرمیهم بكل شتیمة وشنیعة، وما دام هناك من یستبیح قتل شیعة أهل البیت فی بیت الله الحرام وفی موسم الحج - فالمؤامرة ما زالت متواصلة وستبقی متواصلة إلی أن یشاء الله. وأنا لست بقادر علی كشفها كلها أو الإحاطة بكل تفاصیلها وجوانبها ولكنی أحاول بجهدی المتواضع أن أنزه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الروایات المخزیة التی ألصقت بحضرته وأدافع عنه وعن عصمته، وأحاول إقناع المسلمین المثقفین والمتحررین بأن هذا الرسول الذی أرسله الله لهدایة البشریة جمیعا وجعله قمرا وسراجا منیرا هو أجل وأعظم وأسمی وأظهر وأنقی وأكمل إنسان خلقه الله تعالی فلا یمكن لنا أن نسكت علی مثل هذه الروایات التی لم یقصد من ورائها إلا النیل من كرامته والحط من قیمته. فلا ولن نرضی بهذه الروایات ولو اتفق علیها أهل السنة والجماعة وأخرجوها فی صحاحهم ومسانیدهم، لا بل ولو اتفق علیها أهل الأرض كافة. فقوله سبحانه وتعالی: وإنك لعلی خلق عظیم هو القول الفصل والحكم الأصل ولیس بعده إلا الأباطیل والأوهام. وهذا هو قول الشیعة فی سید الأنام ومنقذ البشریة من العمی والضلال وقائدها إلی الأمن والسلام فاعتبروا یا أولی الألباب!.


[1] تاريخ الطبري: 11 / 357. مروج الذهب: 1 / 440.

[2] الزمخشري في ربيع الأبرار ج 2 باب القرابات والأنساب. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 111.

[3] كتاب الموفقيات: 576. تاريخ المسعودي مروج الذهب: 2 / 341. وشرح النهج لابن أبي الحديد: 5 / 130. الغدير للعلامة الأميني: 10 / 283.

[4] كتاب صفين: 44.

[5] أخرج ابن عبد ربه في العقد الفريد: 2 / 301 قال إن معاوية لعن علي علي المنبر وكتب إلي عماله أن يلعنوه علي المنابر ففعلوا، فكتبت أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله علي منابركم. وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت معاوية إلي كلامها.

[6] أنساب الأشراف للبلاذري: 5 / 42. لسان الميزان: 6 / 294. تاريخ ابن كثير: 8 / 221. الإصابة: 3 / 473.

[7] تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1 ص 2 و 3.

[8] سنن ابن ماجة: 1 / 12. وسنن الدارمي: 1 / 85. والذهبي في تذكرة الحفاظ: 1 /.

[9] مستدرك الحاكم: 1 / 110. كنز العمال: 5 / 239.

[10] الطبقات الكبري لابن سعد: 5 / 140. الخطيب البغدادي في تقييد العلم.

[11] منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 4 ص 64.

[12] الخطيب البغدادي شرف أصحاب الحديث: 91.

[13] وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجة علي جواز الخلافة للموالي وخالف بذلك الصريح من حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن الخلافة لا تكون إلا في قريش، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبو حنيفة عندما استولوا علي الخلافة وسموا أبا حنيفة الإمام الأعظم.

[14] البداية والنهاية لابن كثير نقلا عن مسلم والإمام أحمد وأبي داود والترمذي وكذلك في السيرة الحلبية والسيرة الدحلانية: 1 / 512.

[15] صحيح البخاري: 1 / 46 باب خروج النساء إلي البراز.

[16] البخاري: 4 / 96 و ج 8 / 161.

[17] كتاب الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي: 1 / 164.

[18] الإصابة في معرفة الصحابة للعسقلاني في ترجمة عيينة. ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 3 / 108.

[19] البخاري: 4 / 68 و ج 7 / 29.

[20] البخاري: 2 / 232 وصفحة 234.

[21] البخاري: 1 / 44 و 171.

[22] البخاري: 1 / 123 و ج 2 / 65.

[23] البخاري: 2 / 71.

[24] صحيح مسلم: 2 / 157 في باب المسح علي الخفين.

[25] صحيح البخاري: 1 / 86. وصحيح مسلم: 1 / 191.